الباب الأول
نظرة تاريخية فـي علم الأجنة
 
 ج س جورنجــر
عبدالمجيد الزنداني
مصطفى أحمد
 
مقدمة
قال تعالى :  ﴿مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ(18)﴾ [عبس:18].
تجسد هذه الآية الكريمة سؤالاً أساسياً في علم الأحياء ، وتعتبر معضلة معرفة كيفية تخلق الإنسان جزءاً من السجلات العلمية التي دونها التاريخ عبر العصور ، ويشكل سجل محاولاتنا الإجابة على هذا السؤال جزءاً كبيراً من تاريخ العلوم


ونحاول في هذا البحث تلخيص بعض معالم تاريخ علم الأجنة بهدف التمهيد للتحليلات التي سيقدمها الباحثون في هذا المؤتمر[2] ، وفيما يتعلق بكثير من النقاط التي نبرزها فيه ستلاحظون وجود آيات قرآنية وأحاديث نبوية تتصل بها .
وتاريخ علم الأجنة يرتبط ارتباطاً أساسياً بتاريخ العلوم عامة ، ويقدر ما يعالج علم الأجنة أصل كل أشكال الحياة الراقية بقدر ما يتصل بالتطور التاريخي للتفكير الفلسفي ، ولقد كان العالم يشير إلى نفسه منذ عهد غير بعيد – كما كان الآخرون يشيرون إليه – بـ (فيلسوف الطبيعة) .
 المراحل التاريخية :
يمكننا أن نقسم تاريخ علم الأجنة إلى ثلاث مراحل :
أ : المرحلة الوصفية :
المرحلة الأولى التي يمكن أن نسميها (علم الأجنة الوصفي) تعود إلى أكثر من ستة قرون قبل الميلاد ، وتستمر حتى القرن التاسع عشر ، وتم خلال هذه الفترة وصف الملاحظات الخاصة بظاهرة تطور الجنين (وتفسيرها بأساليب مختلفة) ، ووجدت بعض السجلات المدونة من فترة السلالات الفرعونية الرابعة والخامسة والسادسة في مصر القديمة ، وقد حمل مالا يقل عن عشرة أشخاص متعاقبين اللقب الرسمي (فاتح مشيمة الملك) ، واقتضت المراسيم فيما بعد أن تحمل راية تمثل (مشيمة الملك) .
شكل (1-1) أمام موكب الفراعنة ، وكانت تعزي إلى خواص المشيمة قوى سحرية خفية، ودام ذلك الاعتقاد حتى عهد اليونانيين القدماء وبعدهم ، وارتبط السحر بالعلم .
وأقدم الوصفات المدونة للوقاية من الحمل ، مدونة بالخط الهيري (لغة مصر القديمة قبل الهيروغليفية) على ورق البردى (ويعود تاريخها إلى 2000 و 1800 سنة قبل الميلاد) .
 
الشكل (1-1) : راية تمثل " المشيمة الملكية" لفرعون Kleiss 1964
 ومن العناصر الأساسية المكونة للوصفة روث التماسيح إلى جانب عناصر أخرى .
أما اليونان القدماء فهم أول من ربط العلم بالمنطق بفضل تعليلهم للملاحظات بالمنطق لا بالقوى السحرية الغامضة ، ولكن المنطق لم يبرهن دائماً على أنه ينسجم مع الحقائق ، وحتى في عصر العلم الحالي قد لا تكون تفسيراتنا لتجاربنا وملاحظاتنا المنطقية صحيحة ، كما ظهر مفهوم أساسي خلال هذه الفترة من تاريخ علم الأجنة يعرف (بالتغير المتعاقب) وقد هيمنت كتابات (أرسطو طاليس) و(جالينوس) على الجزء الأول من السجل التاريخي (لاسيما من حيث النفوذ والتأثير) وإن لم تكن الوحيدة في هذا المجال ، ولم تسجل منذ عام 200 بعد الميلاد حتى القرن السادس عشر أية معلومات تذكر عن علم الأجنة في المؤلفات العلمية في الغرب ، ولولا الكتاب المسلمون لفقد الكثير من مؤلفات اليونانيين .ولقد نشط البحث العلمي في القرن السادس عشر ، وخاصة في القرنين السابع عشر والثامن عشر ، ومهدت أعمال (فيساليوس) و (فابريسيوس) و (هارفي) لبدء عصر الفحص المجهري ، ونشطت المناظرات العلمية ، واكتشف الحوين المنوي .وكانت مواضيع التكوين السابق والخلق الذاتي التلقائي (والبييضة) والقول بوحدة البييضة، ومذهب النطفة الذكرية محل نقاش دائم ، دعونا ننظر يإيجاز إلى بعض الأشياء كما كانت في ذلك الوقت .


أولاً : تبين بعض الرسوم 0الشكل 1-2) في كتب القبالة خلال القرن السادس عشر كيف يتطور الجنين من كتلة دموية وبذرة ، وهذا المفهوم الخاطئ قال به أرسطو طاليس وانتقل على مر القرون ، وكان يعتقد خلال هذه الحقبة أن الجنين يتولد من دم الحيض .
الشكل : 1-2 : رسوم من كتاب جاكوب رويف. 1554 تبين الكتلة الدموية والبذرة في الرحم وفقاً لمفهوم ارسطو طاليس .
(Permission from Conceptus et Generatione Haminis)
(Permission Needham 1959)
 
 
وبينما سادت هذه الفكرة عند جميع الأطباء إلى مابعد اكتشاف المجهر كان علماء المسلمين يرفضون فكرة أن الجنين يتولد من دم الحيض ، مستندين إلى الآيات القرآنية مثل قوله تعالى:  ﴿أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى(37)﴾ [القيامة:37] والأحاديث النبوية([3]) وهذا جانب من الصور الجلية في سبق القرآن الكريم والسنة النبوية لما كان مستقراً عند أهل العلم من غير المسلمين عبر القرون .
وتبين أعمال (فابرسيوس –1604) رسماً ممتازاً لتطور جنين دجاجة (شكل1-3) وقد اشتهر (ويليام هارفي) – أحد تلاميذ فابرسيوس في بادوا – بدراسته عن دوران الدم .
ثم ظهر بعد ذلك بقليل (مارسيللو مالبيجي) الذي نشر في عام 1672 رسومات لجنين الدجاجة المتخلق بظهر الفلقات بوضوح تام (الشكل 1-4) .
ونعرف اليوم أن هذه الفلقات تحتوي على خلايا ، تولد الجزء الأكبر من الهيكل العظمي للجسم وعضلاته .
وتظهر في (الشكل 1-5) أيضاً بعض صور أجنة الدجاج في نفس المرحلة للمقارنة ، ونشرت في الوقت ذاته تقريباً مجموعة أخرى من الرسومات ، تظهر تخلق الجنين البشري (الشكل 1-6) وتعبر كلها عن رسم واحد ، ولكن بقياس مختلف (ولم يشر إلى ذلك ناشروا ومحكموا الملكية للفلسفة عندئذ) فقد كانوا يعتقدون إلى هذا الوقت أن التخلق الإنساني ليس إلا زيادة في الحجم لصورة واحدة تتسع أبعادها بمرور وقت الحمل ، لسيطرة فكرة الخلق التام للإنسان من أول مراحله على أذهان العلماء .
 

الشكل 1-3 : يوضح تخلق الدجاجة وهو مقتبس من كتاب
(Permission from De Formatione ovi Fabrius Meyer 1939)


 
الشكل 1-4 : المراحل الأولى من تخلق الدجاجة وفقاً لكتاب مالبيفي وكتابه
De Formatione Pulli in Ovo
(Permission from Meyer 1939)
 
 
 
 
 
 
Some Aspects of Historical progress of Embryology Through the Age

الشكل 1-5 : رسم حديث لجنين دجاجة بإذن من :


(Permission from)
Pattern,s Early Embryology of the chick, Blakisten, Co., New York 1952
 
 
  
 
الشكل 1-6 : رسم قديم يظهر التخلق البشري
(Permission from Neddham 1959)


وقبل أن نناقش ظهور علم الأجنة التجريبي دعونا ننظر إلى الأداة التي توجت تقدم علم الأجنة الوصفي والتي تستخدم على نطاق واسع الآن ، بشكلها المتقدم المتطور ، وهي المجهر انظر (الشكل 1-7) .


 
الشكل 1-7 : (أ) صورة لمجهر
(ب) منظر جانبي يوضح طريقة الاستخدام حيث كان الجسم يوضع أمام العدسة على الحامل القصير ويتم تعديل وضع الجسم أمام العدسة بواسطة اللولب
Leeuwenhoek 1673
 
 
 
وقد أدى هذا التطور في القرن السابع عشر إلى إعلان كلمن (هام) و (فان لوفينهوك) اكتشاف الحوين المنوي (الشكل 1-8) (الجمعية الملكية للفلسفة) .
 
الشكل 1-8 : رسم من وضع لوفينهوك للحوين المنوي للأرنب والكلب


(Permission from Meyer, 1939) Leeuwenhoek
 
 
 
 
 
 
 
 
 
 
وتظهر صورة الحوين المنوي البشري التي نشرت في عام 1701 في (الشكل 1-9).
 الشكل 1-9 : الحوين المنوي وفقاً للعالم لوفينهوك
Leeuwenhoek Meyer 1939


 
والرقمان 1 ، 7 يشيران إلى الحوين المنوي البشري أما البقية فتشير إلى الحوين المنوي للأغنام .
وقد ثار جدل كبير في هذه الفترة حول الملاحظات التي تمت أو تم تخيلها ، فلننظر إلى رسم السائل المنوي البشري (الشكل 1-10) (وفقاً لبوفون 1749) في الجزء الأعلى ، والسائل المنوي للكلب في الجزء الأسفل (بما في ذلك بعض سائل من أنثى كلب لم تخصب بعد) ولم يمض وقت طويل حتى تعرف المراقبون على أشياء في الحوين المنوي تعبر عن روح الخلق والإبداع في ذلك العصر (الشكل 1-11 قزم) .
 
 
الشكل 1-10 : التناسل وفقاً للعالم بافون 1749 Buffon
يمثل الشكل (5) المني البشري مخلوطاً بماء المطر بغية عزل ما يحتويه من خيوط للسماح بانفصال الأجسام الصغيرة .
الشكل (6) المني نفسه بعد تركه فترة من الوقت ليصبح أكثر سبولة .
الشكل (19) مأخوذ عن ذكر كلب .
الشكل (20) من أنثى كلب لم تخصب بعد .


 
الشكل 1-11 : رسم وضعه هارتسوكر للحوين المنوي البشري محتوياً على قزم
(نقلاً عن مؤلفه 1694)
Hartsoeker Essay de Dioptrique 1694 (Permission from Meyer 1939)
 
والرسم الذي قدمه هارتسوكر للحوين المنوي عام 1105هـ-1694م بعد اكتشاف الميكروسكوب بفترة يدل على أن المجهر يومئذ لم يكن كافياً لبيان تفاصيل تكوين الحوين المنوي، فأكملت الصورة من خيال العلماء ، وعبروا مرة ثانية عن الفكرة السائدة عندهم وهي: ( أن الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في الحوين المنوي في صورة قزم ، انظر مرة ثانية (الشكل 1-11) .

 أي أنهم لم يعرفوا بعد أن خلق الإنسان في رحم أمه يمرّ بأطوار مختلفة الخلق والصورة ، وهي الحقيقة التي قررت في القرآن الكريم والسنة قبل ذلك بقرون .
فالقرآن الكريم يقرر أن خلق الإنسان ينتقل طوراً بعد طور في بطن أمه في مثل قوله تعالى :  ﴿...يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ ...﴾ [الزمر:6].
وكان مالبيجي – الذي اعتبر أبا علم الأجنة الحديث – قد ظن أن بيضة الدجاجة غير المخصبة تتضمن شكلاً مصغراً لدجاجة على إثر دراسته لبيضة دجاجة غير ملقحة عام 1086هـ – 1675م .
وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في بيضة المرأة ، كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يخلق خلقاً تاماً في الحوين المنوي .
ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالي عام (1186هـ-1775م) عندما أثبت سبالا نزاني أهمية كل من الحوين المنوي والبيضة في عملية التخلق البشري. بينما نجد في القرآن الكريم والسنة النبوية أن هذه القضايا قد حسمت بأن عملية التخلق مشتركة بين الذكر والأنثى ومما جاء في ذلك قوله تعالى :  ﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى...﴾ [الحجرات:13][4].
ب : علم الأجنة التجريبي :
لم تكتشف بييضة الثدييات إلا في أواخر القرن التاسع عشر ، وبدأت المرحلة التاريخية الثانية – عهد علم الأجنة التجريبي – بكتابات (فون باير) و (داروين) و (هيكل) (اعتباراً من نهاية القرن التاسع عشر حتى الأربعينات من القرن العشرين) .
وكان (فون باير) عملاقاً في عصره في هذا المجال ، فقد قفز بعلم الأجنة من التجارب والمشاهدات إلى صياغة المفاهيم الجنينية لا العكس ، وكانت تلك ومضة ذكاء دقيقة جداً .
وقد انتقل به تفكيره هذا إلى أبعد من المفاهيم التي تعلمها .
كما تميزت المرحلة التاريخية الثانية بالبحث عن (الآليات) وبرز اسم (ويلهيلهم روكس) في هذا المجال ، وانتقلت الدراسة الجنينية من وصف الملاحظات إلى التدخل ومعالجة الكائنات الحية المتطورة .
وقد شغلت مسألة معرفة الآلية التي يحدث فيها التمايز بين الخلايا اهتمام الباحثين أمثال (ويلسون) و (نيودور) و (بوفيري) ، وقد طور (روس هاريسون) تقنية زرع الحبل السري، وبدأ (أوتو واربورغ) دراسات عن الآليات الكيميائية للتخلق ، ودرس (فرانك راتري ليلى) طريقة إخصاب الحوين المنوي للبييضة ، كما درس (هانس سبيمان) آليات التفاعل النسيجي كالذي يحدث خلال التطور الجنيني ، ودرس (يوهانس هولتفرتر) العمليات الحيوية التي تظهر بعض الترابط بين خلايا الأنسجة فيما بينها أو فيما بينها وبين خلايا الأنسجة الأخرى .
ج : التقنية واستخدام الأجهزة :
وتمتد المرحلة الثالثة أو (الحديثة) من الأربعينات حتى يومنا هذا ، وقد تأثرت هذه المرحلة تأثراً كبيراً بتطور الأجهزة مما أثر بقوة على مجرى البحوث .
وعلى سبيل المثال : فإن المجهر الإلكتروني ، وآلات التصوير المتطورة الأخرى ، وقياس الشدة النسبية لأجزاء الطيف ، والحاسوب ، ومجموعة وسائل الكشف عن البروتينات ، والأحماض النووية ، والكربوهيدرات المعقدة ، وعزلها وتحليلها ، يمكن أن تعتبر كلها عوامل تجعل علماء (الأحياء البيولوجي النمائي) اليوم في وضع يسمج لهم بإجراء تجارب كانت تبدو قبل عقد من الزمن مجرد حلم خيالي .
فيمكننا اليوم أن نجري تحليلاً دقيقاً مفصلاً لسطح الخلايا خلال تمايزها .
ويمكننا أيضاً أن ندرس دور النواة ،وجبلة الخلية[5] ، والمنابت خارج الخلية باستخدام تهجين الخلايا وغرس النواة وغرس الجينات في الرحم وغير ذلك من التقنيات .
ويمكننا أن ننظر الآن إلى الأجنة بوضوح لم يمكن تصوره في زمن العالم (مالبيجي) (الشكل 1-12) .
 


الشكل 1-12 : مسح بجهاز الرسم الالكتروني لجنين فار
(مع الشكر للدكتور أ. فضل)
(Permission from GGG)
ويمكننا أن ننظر داخل الأقسام ، (الشكل 1-13 ، 1-14) لنفهم آليات التمايز الطبيعي والشاذ فهما أفضل .
 
 


الشكل 1-13 : مسح بجهاز الرسم الالكتروني لقلب جنين فأر
(بإذن من مختبر GGG   ) (مع الشكر للدكتور أ. فضل)
 (courtesy of Dr. A. Fazel) permission from GGG
 


الشكل 1-14 : مسح بجهاز الرسم الالكتروني لقلب جنين فأر يظهر إحدى مراحل تكون هلام بطانة القلب (مع الشكر للدكتور أ. فضل)
(بإذن من مختبر    GGG   )
 (courtesy of Dr. A. Fazel) permission from GGG

3- المعلومات الجنينية في القرآن الكريم والسنة النبوية
ولكن ماذا عن القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين يرجع تاريخهما إلى قبل 1400 عام فيما يتعلق بالأجنة ؟
لقد وصف القرآن الكريم والحديث الشريف في القرن السابع الميلادي وبأسلوب رفيع رائع الكثير من هذه المكتشفات المدهشة ، التي اكتشفها العلم الحديث بأجهزته وأساليب بحثه .
ونجد أن المكتشفات التي تمت في القرن التاسع عشر بل وحتى في القرن العشرين ورد وصفها في القرآن الكريم والحديث الشريف (انظر على سبيل المثال : سورة النجم الآيتين 45،46) .  ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾[6]
وقد أوضح القرآن الكريم أن الإنسان يخلق من مزيج من إفرازات الرجل والمرأة ، وأن الكائن الحي الذي ينجم عن الإخصاب يستقر في رحم المرأة على هيئة بذرة. وإن انغراس كيس الجرثومة (النطفة) يشبه فعلاً عملية زرع البذرة[7] .
ويتضمن القرآن الكريم أيضاً معلومات عن المراحل الأخرى من عملية التخلق كمرحلة العلقة والمضغة (تكون الفلقات – أو الكتل البدنية – SOMITES) والهيكل العظمي وكساء العظام بالعضلات (اللحم) .
ويشير كل من القرآن الكريم والحديث الشريف إلى توقيت التخلق الجنسي والتخلق الجنيني واكتساب المظهر البشري .
وهذه النصوص تثير الدهشة إذ إنها تشير إلى أحداث التخلق بترتيبها المتسلسل الصحيح وبوصف واضح دقيق .
 خاتمـــة :
موجز القول : إن تاريخ علم الأجنة يدل على أن التخلق البشري كان دائماً مثار اهتمام كبير ، وقد اقتصرت الدراسات الأولى على استخدام الوصف التخيلي نظراً لقلة الوسائل التقنية المتقدمة حينئذ ، وبعد اختراع المجهر في وقت لاحق اتسمت الدراسات بدقة أكبر وظلت تستخدم الوصف إلى جانب الأساليب التقنية التجريبية ، بيد أن كثيراً من هذه الملاحظات الوصفية كان على قدر كبير من التخيل والبعد عن الدقة ، ولم يتم التوصل إلى فهم ووصف أدق للتخلق الجنيني إلا في هذا القرن وباستخدام الأجهزة الحديثة فقط .
ويمكننا أن نستنتج من تحليل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أنها تتضمن وصفاً دقيقاً شاملاً للتخلق البشري من وقت امتزاج الأمشاج وخلال تكون الأعضاء وما بعد ذلك ، في مثل قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾[المؤمنون:12-14].
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ..)[8].
ولم يكن هناك أي تدوين مميز شامل للتخلق البشري كالتصنيف المرحلي وعلم المصطلحات والوصف قبل القرآن الكريم. فقد سبق هذا الوصف القرآني والنبوي بقرون كثيرة في معظم الحالات إن لم يكن في كلها ، تسجيل المراحل المختلفة لتخلق الجنين البشري في المؤلفات العلمية المعروفة .
وقبل ظهور المجهر المركب لم تكن هناك أية وسيلة نعرفها لمراقبة المراحل الأولى للتخلق البشري (النطفة على سبيل المثال) .
وإن تقديم وصف علمي لمراحل التخلق البشري، يتطلب الحصول على عدد كبير من الأجنة البشرية في عمر معين ودراستها ، ويصعب تماماً حتى في يومنا هذا تجميع مثل هذه السلسلة. وقوله تعالى :  ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ(17)﴾ [المؤمنون:17] ، يلمح إلى سبب وجود نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية تصف تفاصيل التطور الجنيني .
المراجـع
القرآن الكريم .
فتح الباري : ط دار المعرفة ، بيروت .
صحيح مسلم : ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
أبو داود : ط دار الحديث ، حمص – سوريا .
الطبراني : مطبعة ابن تيمية ، مصر .
بحث النطفة .

[1] أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب 1 حديث رقم 4978 ومسلم في باب الإيمان برقم 239 .

[2]ألقى هذا البحث في المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمدينة إسلام آباد بالباكستان (صفر 1408هـ الموافق أكتوبر 1987م) .

[3](انظر ما ذكره ابن حجر المتوفي في عام 852هـ في فتح الباري) (المصور من الطبعة السلفية) ج11 ص 477-491 حيث قال في ص 480 (وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده ، وأنه إنما يتكون من دم الحيض ، وأحاديث الباب تبطل ذلك)

[4]انظر بحث النطفة .

[5]السيتوبلازم : المادة الحية للخلية باستثناء النواة .

[6] انظر بحث النطفة .

[7] انظر تفاصيل ذلك في بحث النطفة .

[8] أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والطبراني ، وجعفر الغريابي وذكره ابن حجر في الفتح 11:48 .