صلب المسيح وعقيدة الفداء عند النصارى
|
دين النصارى دين مليء بالغرائب والتناقضات ، وليس أقل تلك الغرائب البدعة التي
اخترعها النصارى فيما يتعلق بصلب المسيح - عليه السلام - وليست الغرابة في دعوى
صلبه - فقد قتل قبله أنبياء كثيرون - لكن الغرابة في فلسفة تلك الحادثة
المخترعة التي تحولت في نظر النصارى من مصدر للألم ، إلى مصدر للفرح والسرور ،
إذ يعتقد النصارى أن المسيح - عليه السلام - ابن لله عز وجل وهو في ذات الوقت
إله مساو لله أو دونه - على خلاف بينهم في ذلك - وهنا مصدر الإشكال ، إذ كيف
لابن الإله أن يصلب ، ويهان ، ويعلق على خشبة ، ويبصق في وجهه في مشهد تتفطر له
الأكباد ؟!! فلأي شيء يترك الإله ابنه ، بل كيف للابن - الذي له صفات الإله في
نظرهم - أن يترك حفنة من اليهود التعساء تفعل به هذه المهانة ، بل وتسخر منه
أمام الملأ قائلة : يا من يدعي أنه يبني الهيكل في ثلاث ، كيف لا تستطيع أن
تخلص نفسك ، كل ذلك وابن الإله " الإله " عاجز عن دفع الضر عن نفسه فضلاً عن أن
يوقع الضرَّ بغيره ممن صلبه .
ويذكر النصارى في أناجيلهم أن المسيح صاح جزعا : "إيلي، إيلي، لَمّا شَبَقتاني؟
" أي : "إلهي، إلهي ، لماذا تركتني؟"( متى الإصحاح (27) رقم (46-47) ، ويجيب
النصارى على هذه التساؤلات الجوهرية - التي تبين فساد وبطلان معتقدهم - بقولهم
: إن الخلق ومنذ أن أكل آدم - عليه السلام - من الشجرة وهم يعيشون تحت وطأة
الخطيئة ، فالمولود يولد مخطئاً ويعيش مخطئا بعيدا عن الله عز وجل جراء تلك
الخطيئة الأولى ، فلما أراد الله أن يغفر لهم أخرج ابنه وأسكنه في بطن مريم
العذراء - عليها السلام - يتغذى مما في بطنها، ثم أخرجه مولوداً ، وترعرع كما
يترعرع الصبيان ، حتى إذا شبَّ وكبر ، سلمه لأعدائه ليصلبوه ، فيكون ذلك كفارة
عن خطيئة آدم - عليه السلام - التي لحقت سائر الناس ، ويذهب النصارى إلى أبعد
من ذلك في تفسير حادثة صلب الإله - في نظرهم - إذ يعتقدون أن المسيح - ويسمونه
المخلص - لم يخلصهم من خطيئة آدم الأولى فحسب ، بل خلصهم من جميع الخطايا التي
ارتكبوها والتي سيرتكبونها ، إذ يكفي - في نظرهم - أن يؤمن النصراني بالمسيح
لينال رضا الله ، وليفعل بعد ذلك ما يشاء .
هذه هي فلسفة النصارى فيما يفسرون به قصة صلب إلههم ، ونحن على يقين أن الناقد
لن يكون بحاجة إلى معرفة الحقائق الإسلامية عن حياة عيسى عليه السلام لينقض هذا
الهراء المتهافت ، ذلك أن ما يزعمه النصارى مناقض للعقول المستقيمة، ولأجل ذلك
أصبحت تلك المعتقدات الكنسية عرضة لهجوم تيارات كثيرة كالعلمانية والملاحدة ،
ولعل أول ما يرد على النصارى في عقيدة الفداء هو اتهامهم لله عز وجل بالظلم من
جهة ، وبالعجز من جهة أخرى ، أما الظلم فلأن الله قد قضى :
{ أَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى
}
( النجم:38 ) وليس هذا الأمر
مقرراً في القرآن وحده بل هو منصوص عليه في التوراة أيضاً فقد جاء في "سفر
التثنية":- " لا يُقتل الآباء عن الأولاد، ولا يُقتل الأولاد عن الآباء، كل
إنسان بخطيئته يقتل"أهـ ، فهذا نص توراتي صريح يؤيد النص القرآني بألا يتحمل
أحد جريرة أحد ، فما بال النصارى يريدون أن يحملوا البشرية جميعاً خطأ آدم عليه
السلام ، أليس مقتضى العدل أن يتحمل آدم - عليه السلام - وزر خطيئته وحده دون
غيره ، مع العلم أننا نعتقد كما أخبرنا القرآن أن آدم عليه السلام تاب إلى الله
عز وجل فتاب الله عليه وانتهت القضية عند ذلك ، وما نرى دعوى النصارى في عقيدة
الفداء إلا اختراع اخترعوه ليبرروا قولهم بأن الإله صلب ، وهو أمر باطل من
أساسه ، وما بني على الباطل فهو باطل .
هذا ما يلزمهم من اتهام الله بالظلم ، أما اتهام الله عز وجل بالعجز فيظهر من
خلال تلك التمثيلة الطويلة التي اخترعها النصارى من حمل مريم بالإله إلى ولادته
إلى صلبه ، كل ذلك ليغفر الله للناس خطيئة آدم التي لحقتهم، وكأن الله عاجز عن
غفران خطيئة آدم إلا بتلك الطريقة السمجة التي ذكروها .
إن في دعوى النصارى أن ابن الإله أهين وبصق في وجهه وصلب على خشبة حتى مات مسبة
شنيعة ما تجرأ عليها أحد من العالمين ، حتى الوثنيون لم ينسبوا هذا النقص
لآلهتهم وهي من الحجارة والطين ، لذلك كان عمر رضي الله عنه يقول : "أهينوهم -
أي النصارى - ولا تظلموهم، فلقد سبوا الله عز وجل مسبة ما سبّه إياها أحد من
البشر" أ.هـ .
وكان بعض أئمة الإسلام إذا رأى صليباً أغمض عينيه عنه، وقال: "لا أستطيع أن
أملأ عيني ممن سب إلهه ومعبوده بأقبح السب ".أهـ.
وقال بعض عقلاء الملوك: " إن جهاد هؤلاء واجب شرعاً وعقلاً فإنهم عار على بني
آدم مفسدون للعقول والشرائع" أهـ.
ويعجبني ما قاله قس مصري أسلم : ( إن كان المسيح رباً فلماذا يحتاج كي يغفر
للعباد ويُكفّر ذنوبهم أن يُصلب ويُهان ويُصفع ويُبصق في وجهه ..!! )
وأين هذا من قوله تعالى :
{ قُلْ يَا عِبَادِيَ
الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ
الرَّحِيمُ }
(الزمر:53) .
ومن العجب أن يوجد في التوراة التي يؤمن بها النصارى ويسمونها العهد القديم لعن
من عُلِّق على خشبة ، ففي سفر التثنية (21/23) : "ملعون من تعلق بالصليب" ، فهل
أصبح المسيح - عليه السلام - ملعوناً ، إن جواب النصارى على ذلك ليصيب العاقل
بالحيرة والذهول ، إذ يقول بولس في رسالته إلى أهل غلاطية (3/13) : " المسيح
افتدانا من لعنة الشريعة إذ صار لعنة لأجلنا " أهـ. فانظر إلى عقول هؤلاء كيف
يصمون إلههم باللعنة ثم يعبدونه ويقدسونه ، إنها عقول فسدت فجعلت من الإله
ملعونا ، وفسدت فجعلت الثلاثة واحدا ، وفسدت فعظمت الآلة التي قتل عليها إلههم
،حيث علق كل واحد على صدره صليبا .
هذه هي عقول النصارى، فلو كانوا دوابا لكانوا حميرا ، ولو كانوا من الطيور
لكانوا رخما، وإن المرء ليعجب أشد العجب من دين هذا مبدأه وتلك أصوله يكاد يهدم
بعضها بعضاً، ومع ذلك تتبعه هذه الملايين الغفيرة من البشر ، فهل فقدت تلك
الجماهير عقولها ؟ أم جمدتها ، أم إن إيمانهم بهذا الدين لم يكن عن فكر واقتناع
وإنما كان لسهولة وجدوها فيه ، إذ يكفي الإيمان بألوهية المسيح حتى ينال أحدهم
رضا الله عز وجل ، هذه احتمالات جميعها واردة ، وبعضها أسوأ من بعض ، ولا يسعنا
في هذا المقام إلا أن نحمد المولى عز وجل أن أكرمنا بالإسلام ، الدين الحق الذي
ارتضاه لعباده ، وحفظه من تحريف الغالين ، وإبطال المبطلين ، ونسأله سبحانه أن
يحيينا عليه، وأن يميتنا عليه ، وأن يبعثنا عليه، إنه ولي ذلك والقادر عليه ،
والحمد لله رب العالمين .
( الشبكة الإسلامية )
|